
تعد اجراءات التحكيم أحد أهم الوسائل لحل النزاعات، حيث تمنح الأطراف فرصة لحل خلافاتهم خارج إطار القضاء التقليدي، مما يوفر الوقت والجهد والتكاليف المرتفعة، ومع تزايد تعقيد المعاملات القانونية والتجارية أصبح التحكيم وسيلة مفضلة لدى الشركات والأفراد لتسوية النزاعات، وفي هذا المقال المُقدَم من موقع ركن القانون، سنتناول إجراءات التحكيم، بدءًا من الاتفاق عليه، مرورًا بتشكيل هيئة التحكيم، ووصولًا إلى إصدار الحكم وتنفيذه.
اجراءات التحكيم

اجراءات التحكيم هي مجموعة من الإجراءات القانونية لحل النزاعات خارج نطاق المحاكم التقليدية، حيث يتفق طرفا النزاع على تعيين محكم محايد أو هيئة تحكيمية للنظر في النزاع وإصدار حكم نهائي وملزم، كما يتميز التحكيم بالسرعة والمرونة والسرية، مما يجعله خيارًا مفضلًا للعديد من الأطراف في المجالات التجارية والاستثمارية.
ويمر التحكيم بعدة مراحل وخطوات والتي تسمى باجراءات التحكيم، ليصل إلى الشكل الأخير ألا وهي:
- تقديم طلب التحكيم: يبدأ التحكيم بتقديم طلب رسمي للتحكيم من الطرف المتضرر، يوضح فيه تفاصيل النزاع والأطراف المعنية.
- تبادل المذكرات: يقوم كل طرف بتقديم مذكراته الدفاعية والمستندات الداعمة لقضيته، مما يساعد هيئة التحكيم في فهم النزاع بشكل أوضح.
- الجلسات التحكيمية: تعقد جلسات استماع حيث يتم تقديم الأدلة، والمرافعات، وشهادات الشهود إذا لزم الأمر.
- إصدار الحكم التحكيمي: تصدر هيئة التحكيم حكمها بعد دراسة الأدلة، ويكون الحكم نهائيًا وملزمًا للأطراف، ولا يمكن الطعن عليه إلا في حالات محددة.
أهمية التحكيم في تسوية النزاعات
يتميز التحكيم بعدة مزايا تجعله أكثر فاعلية في حل النزاعات مقارنة بالقضاء التقليدي، ومن أهم هذه المزايا:
- السرعة في الفصل في النزاع: التحكيم عادة ما يكون أسرع من المحاكم التي قد تستغرق سنوات للفصل في القضايا.
- المرونة في الإجراءات: يمكن للأطراف تحديد القواعد التي تحكم سير التحكيم، مما يمنحهم حرية أكثر في إدارة النزاع.
- السرية التامة: جلسات التحكيم سرية، مما يحمي سمعة الأطراف، وهو أمر بالغ الأهمية خاصة في النزاعات التجارية.
- إمكانية اختيار المحكمين: يتيح التحكيم للأطراف اختيار محكمين متخصصين في المجال محل النزاع، مما يضمن جودة القرارات.
أنواع التحكيم
هناك عدة أنواع متعارف عليها للتحكيم، أبرزها:
- التحكيم المؤسسي: يتم تحت إشراف مركز تحكيم معترف به مثل غرفة التجارة الدولية (ICC).
- التحكيم الحر أو الخاص: يتم وفقًا لاتفاق الأطراف دون تدخل أي مؤسسة تحكيمية.
- التحكيم الداخلي والدولي: يعتمد على ما إذا كان النزاع محليًا أو بين أطراف من دول مختلفة.
اتفاق التحكيم وشروط صحته
إن اتفاق التحكيم هو الوثيقة التي يلتزم بموجبها الأطراف بإحالة أي نزاع قد ينشأ بينهم إلى التحكيم بدلًا من المحاكم، ويمكن أن يكون هذا الاتفاق جزءًا من العقد الأصلي (شرط تحكيمي) أو اتفاقًا مستقلًا بعد نشوء النزاع، وحتى يكون اتفاق التحكيم ملزمًا، يجب أن يستوفي مجموعة من الشروط القانونية المهمة، منها:
- وضوح الاتفاق: يجب أن يكون الاتفاق صريحًا ومحددًا، بحيث لا يدع مجالًا للشك في نية الأطراف اللجوء إلى التحكيم.
- تحديد نطاق النزاعات المشمولة: يجب تحديد أنواع النزاعات التي يمكن عرضها على التحكيم.
- كتابة الاتفاق: لا بد أن يكون الاتفاق مكتوبًا ليكون قانونيًا وملزمًا.
- عدم تعارضه مع النظام العام: يجب ألا يخالف الاتفاق القوانين الإلزامية في الدولة المعنية.
مدى إلزامية اتفاق التحكيم
بمجرد توقيع الأطراف على اتفاق التحكيم، يصبح ملزمًا لهم قانونيًا، ولا يمكن لأي طرف من الأطراف رفع دعوى أمام القضاء العادي إلا في حالات محددة، مثل بطلان الاتفاق أو عدم صلاحيته قانونيًا.
تشكيل هيئة التحكيم واختيار المحكمين
يمكن أن يتكون التحكيم من محكم واحد أو هيئة تحكيمية مكونة من ثلاثة محكمين، ويتم تعيين المحكمين بناءً على ما ينص عليه اتفاق التحكيم، أو وفقًا للقواعد المعمول بها في مركز التحكيم المختار، وهناك عدة معايير مهمة لاختيار المحكمين ألا وهي:
- الاستقلالية والحياد: يجب أن يكون المحكم محايدًا وغير متحيز لأي طرف.
- الخبرة القانونية أو الفنية: يفضل أن يكون المحكم متخصصًا في موضوع النزاع.
- عدم وجود تضارب مصالح: لا يجوز أن يكون للمحكم أي مصلحة شخصية في القضية.
- استبدال المحكمين وتنحيهم: في بعض الحالات، يمكن استبدال المحكم إذا ثبت عدم أهليته أو تحيزه، أو بناءً على طلب أحد الأطراف لأسباب مبررة، وفقًا للإجراءات المعمول بها في لوائح التحكيم.
مراحل التحكيم بالتفصيل

تبدأ اجراءات التحكيم عندما يقرر أحد الأطراف المتنازعة تقديم طلب التحكيم بشكل رسمي، ويتضمن هذا الطلب:
- بيانات الأطراف: الأسماء والعناوين ووسائل الاتصال.
- ملخص النزاع: توضيح للمشكلة القانونية أو التجارية التي يرغب الطرف في حلها عبر التحكيم.
- الاتفاق التحكيمي: نسخة من اتفاق التحكيم الموقع بين الأطراف.
- المطالبات: تحديد ما يسعى مقدم الطلب للحصول عليه من خلال التحكيم، مثل تعويض مالي أو تنفيذ بند معين في العقد، وبمجرد تقديم الطلب، يتم إبلاغ الطرف الآخر رسميًا ببدء اجراءات التحكيم.
تشكيل هيئة التحكيم
بعد قبول الطلب، يتم تشكيل هيئة التحكيم وفقًا لما تم الاتفاق عليه بين جميع الأطراف، وهناك عدة طرق لتشكيل الهيئة:
- إذا تم الاتفاق على محكم واحد، يتم اختياره من قبل الطرفين أو تعيينه بواسطة مركز تحكيم.
- إذا كان هناك ثلاثة محكمين، يختار كل طرف محكمًا، ويتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث.
- إذا لم يتفق الأطراف، فقد يتم تعيين المحكمين من قبل المحكمة المختصة أو هيئة التحكيم المختارة.
- تعتبر حيادية المحكمين أمرًا بالغ الأهمية لضمان العدالة في الإجراءات.
تحديد القواعد الإجرائية للتحكيم
بمجرد تشكيل هيئة التحكيم، يتم الاتفاق على القواعد التي ستحكم العملية التحكيمية، وقد تعتمد الأطراف على قواعد مركز تحكيم معين، مثل قواعد التحكيم الدولية لغرفة التجارة الدولية (ICC)، أو يمكنهم وضع قواعد مخصصة تناسب احتياجاتهم، وتشمل القواعد الإجرائية:
- عدد الجلسات المطلوبة.
- طبيعة الأدلة المقبولة.
- مواعيد تقديم المستندات.
- كيفية إصدار الحكم التحكيمي.
تبادل المذكرات والمستندات
خلال هذه المرحلة، يقوم كل طرف بتقديم مذكراته الدفاعية التي تتضمن:
- الادعاءات: كل طرف يعرض حججه القانونية والمبررات التي يستند إليها.
- المستندات الداعمة: تقديم عقود، أو مراسلات، أو تقارير مالية أو أي أدلة أخرى.
- شهادات الخبراء: يمكن للأطراف الاستعانة بخبراء لتقديم شهادات تدعم موقفهم القانوني أو الفني.
طبيعة الجلسات التحكيمية
تعد الجلسات فرصة للأطراف لعرض حججهم أمام هيئة التحكيم، وقد تكون الجلسات شفهية أو مكتوبة، وفقًا لما تم الاتفاق عليه، وتختلف طبيعة هذه الجلسات حسب القضية، فقد تشمل:
- الاستماع إلى مرافعات المحامين.
- استجواب الشهود.
- تقديم أدلة إضافية عند الضرورة.
- توجيه الأسئلة من قبل هيئة التحكيم.
المداولات وإصدار الحكم التحكيمي
بعد انتهاء الجلسات وتقديم جميع الأدلة، تدخل هيئة التحكيم في مرحلة المداولات لإصدار الحكم النهائي، ويجب أن يكون الحكم مستندًا إلى القانون والأدلة المقدمة، ويتضمن:
- ملخصًا للنزاع والإجراءات التحكيمية.
- تحليلًا قانونيًا لكل نقطة نزاع.
- قرار الهيئة وأسبابه.
- الآثار المترتبة على الحكم.
تنفيذ الحكم التحكيمي
بمجرد إصدار الحكم، يصبح ملزمًا للأطراف، ويتم تنفيذ الحكم وفقًا للقوانين المحلية، وغالبًا ما تستند إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958 التي تسهل تنفيذ أحكام التحكيم في أكثر من 160 دولة.
الطعن على الحكم التحكيمي
على عكس أحكام المحاكم، لا يمكن استئناف الحكم التحكيمي إلا في حالات استثنائية، مثل:
- إذا ثبت وجود فساد أو احتيال في العملية التحكيمية.
- إذا لم يتمكن أحد الأطراف من تقديم دفاعه بسبب إخلال بالإجراءات.
- إذا تجاوزت هيئة التحكيم سلطتها المنصوص عليها في اتفاق التحكيم.
الأسئلة الشائعة
هل يمكن اللجوء إلى التحكيم في أي نزاع؟
لا، بعض القضايا مثل القضايا الجنائية والنزاعات المتعلقة بالأحوال الشخصية لا يمكن حلها عبر التحكيم، لأنها تخضع لاختصاص المحاكم حصريًا.
هل يمكن إجبار أحد الأطراف على التحكيم؟
فقط إذا كان هناك اتفاق تحكيم مسبق بين الأطراف بدون هذا الاتفاق، لا يمكن فرض التحكيم على أي طرف.
هل التحكيم أسرع من القضاء التقليدي؟
نعم، في معظم الحالات يكون التحكيم أسرع، حيث لا توجد مراحل طويلة للاستئناف والمرافعات كما هو الحال في المحاكم
لقد استعرضنا بالتفصيل كل اجراءات التحكيم، بدءًا من الاتفاق عليه وصولًا إلى تنفيذ الحكم، مع التركيز على الجوانب القانونية والتنظيمية التي تحكمه، فالتحكيم يعد الآن وسيلة فعالة لحل النزاعات، لكنه يتطلب معرفة دقيقة بالإجراءات لضمان تحقيق العدالة والحفاظ على الحقوق واتمام الواجبات.